بسم الله الرحمن الرحيم
العمل لليوم الآخر
للشيخ إبراهيم الرحيلي حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنَّ نبينا محمد عبده ورسوله اللهم صلِ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته على يوم الدين.
أمَّا بعد، فأرحِّب بالإخوة في هذا البلد الطيب المبارك وفي هذه الأيام الفاضلة الشَّريفة، واسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يتقبَّل منَّاومنكم وأن يكتب لنا ولكم أعظم الأجر والمثوبة في هذه الليالي الفاضلة المباركة. ثم إن كان من كلمة ونصيحة أشارك من سبقني من المشايخ فيها هو وصيتي لنفسي أولاً ولكم بتقوى الله-عزَّ وجلَّ- وأن نتقي الله-عز وجل- ونقدِّم من الأعمال ما هو سبب لحصول النَّجاة،فإن العبد مطالب بتحقيق النَّجاة لنفسه قبل النَّظر في غيره وقبل الاشتغال بأمور أخرى،والله-عزَّ وجلَّ- خلق الخلق كله من الإنس والجنِّ وسائر المخلوقات خلقها لحكمة يعلمها، ولم يخلقهم عبثا، وقد بيَّن لنا الحكمة من خلق الإنس والجنِّ فقال:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56] إذاً الحكمة من خلق الإنس والجن هي تحقيق عبادة الله-عزَّ وجل-فمن حقَّق هذا الهدف وحقَّق عبادة الله-عز وجل- بشروطها المعروفة الشَّرعية، فقد حقَّق الحكمة والهدف من خلقه، ومن خرج عن ذلك فإنه معرَّض للعقوبة والوعيد
ثم إن الله-عزَّوجل- تعبَّدنا بكثير من العبادات، وهي تنقسم بالنَّظر إلى فرضيتها من عدمها إلى: فرائض ونوافل، وبيَّن الله-عزَّ وجل-في الحديث القدسي الذي يرويه النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ربه، وقد خرَّجه البخاري(ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه))ثم قال(ولايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصرهالذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) ...ألخ، فبيَّن الله-عزَّ وجل-أنَّ العبد لا يتقرَّب إليه بمثل أداء ما افترض عليه من الواجبات، ونحن-أيها الإخوة- في المنهج(منهج أهل السنة والجماعة) نسير على منهج واضح وجلي، ويكثر الاختلاف والتَّفرق اليوم بين النَّاس في هذا المنهج، ويتخبطون فيه تخبطاً عظيماً، وأنتم تسمعون وترون كل يوم يخرج مخالفون عن هذا المنهج، وكلٌ يدعوا لما عنده أو ما يظن أنه من دين الله-عزَّ وجلَّ-والخطأ يحصل عند النَّاس بسببين: إما للهوى أو بالجهل، فالهوى ناتج عن مرض في النُّفوس وضعف في اليقين، والجهل ضعف في العلم والبصيرة، ولذا من حقَّق العلم الصَّحيح الشَّرعي وكان عنده من المراقبة وتقوى الله-عزَّ وجلَّ- فإنه لا يبتدع ولا يمكن أن يخرج عن المنهج المقصود أن تخبُّط النَّاس في هذا الأمر يرجع إلا أسباب منها الجهل بدين الله-عزَّوجلَّ-فإن الجهل سببه الابتداع والخروج، وكثيراً ما يُخذل النَّاس بالانحراف-والعياذبالله- عن دين الله بعد الاستقامة عليه بسبب أيضا الانحراف عن المنهج في العلم أوالعمل، ومن أسَّس بنيانه على أساس صحيح من دين الله-عزَّ وجلَّ- فإنه -بإذن الله- معصوم؛ فإنالله عز وجل قال في الحديث القدسي(ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به)) وهذه هي العصمة من الله -عزَّوجلَّ- العصمة ثمرة لعمل
أولاً: التَّقرب إلى الله عز وجل بالفرائض، ثم التَّدرج في النَّوافل والفرائض، منها ما يتعلَّق بالأعمال البدنية ومنها ما يتعلَّق بالأعمال القلبية ومنها مايتعلَّق بالعلم
حقيقاً من يتأمل حال الأمة اليوم، حال كثير من الشباب يجد انحراف كبيرجداً في المنهج، فإن كثير من الناس اليوم ينشغلون بالنَّوافل عن الواجبات، سواء في باب العمل أو باب العلم، ونحن نرى اليوم الشَّباب، ما يكاد يلتزم الشَّاب حتى يبدأ أول مايبدأ به بالقراءة في كتب المبتدعة وكيف يردُّ عليهم، ويقتني هذه الكتب ويشتغل بها، وهذا أمر مقرَّر عند أهل العلم أن الرَّدَّ على المبتدعة ومجاهدتهم-وهو أصل عظيم في باب الاعتقاد-مطلوب، لكنه من فروض الكفايات التي لا يقوم بها إلا العلماء، بل ليس كل العلماء، وإنما العلماء المتمكِّنين في هذا الباب، الذين يستطيعون الرَّدَّ، أما غيرهم من الأمة فليس من المنهج وليس من دين الله أن تشتغل بتناقل أخبار المبتدعة وكتبهم ومناظراتهم، وما الذي حصل منهم، كما يشتغل به كثير من الشَّباب اليوم، خصوصاً في هذه الليالي والأيام الفاضلة، لا يكاد يكون حديث الشَّباب إلا عن هذه الأمور، نحن لا نقلل من هذا الأمر لكن ينبغي أن نسير على منهج واضح، هذا باب عظيم ولا ينكره أحد-وينبغي أن ينزَّل الكلام على مقصود المتكلم وما يريد، لا نأخذ طرف من الكلام- الرد على المبتدعة أصل عظيم مقرَّر، لكنه من باب فروض الكافيات، وهذا لا ينكره أحد من طلاب العلم،وليس على الأمة أن تشتغل بالرد على المبتدعة كلها، بل لا يشتغل بهذا الأمر إلاالقادر عليه.
إذاً هذا مثال حقيقة للانصراف عن المنهج في باب العلم، فالمسلم مطالب بتحقيق النَّجاة أولاً لنفسه، هو مطالب بتحقيق النَّجاة لنفسه أولاً علماً وعملاً، فهومطالب بأن يتعلم العلم الذي تتحقَّق به الواجبات، فإذا عرفه: عرف أحكام الطَّهارة وعرفأحكام الصَّلاة وعرف أحكام الصَّوم وعرف أحكام الزَّكاة، وحقَّق هذه الأركان علماً ثم عملاً،فهو على خير، ثم بعد ذلك يتدرج في النَّوافل، ولا يكون انشغالنا بأي أمر: لا بجهاد ولابالرد على المبتدعة ولا بأمر، لا يكون انشغالنا بشيء عن هذا العمل الواجب الذي افترضه الله -عزَّ وجلَّ- علينا، فقد كان السَّلف يذمُّون من يشتغل بالنوافل، وينصرف-أو يصرف بها كل وقته-عن الفرائض، وهذا يدل عليه الحديث القدسي (ما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه))وقد كان بعض السَّلف يذمون من كان يقوم اللَّيل كله لله-عزَّ وجل-وينام عن صلاة الفجر؛ لأنَّه أتى بعمل فاضل ممدوح عليه وهو قيام اللَّيل وما فيه من الخير والفضل، لكنه مذموم إذا ترتَّب على قيامه بهذا العمل الذي هو من قبيل النَّوافل وفرَّط في واجب من الواجبات
فالمقصود -أيها الإخوة- أن يراقب الإنسان نفسه وأن يقف مع نفسه وقفة صدق،
فو الله لا ينجينا أن نكون نحن من أهل السُّنة ولاينجِّينا أن نقول نحن سلفيين، ولا ينجينا أن يقال فلان مجاهد، فلان يشتغل بالرَّد على أهل البدع، فلان فيه وفيه، والله لا ينجي الإنسان إلا الصِّدق مع الله-عزَّ وجل- نصدق مع الله-عزَّ وجل- نحقِّق عبادة الله-عزَّ وجل- فإذا حقَّقنا عبادة الله-عزَّ وجل- وأصلحنا أنفسنا وبقي عندنا من الوقت، وبقي عندنا من وفور الوقت ما نتعلم به ونشتغل للقادرين في الرَّد على المخالفين أو غيرهم من أعمال البرِّ الأخرى فنعم، أما أن نشتغل بهذه الأمور عن الواجبات فهذا ليس من دين الله-عزَّ وجل-، ولهذا نرى ما أكثر- والعياذ بالله-ما ينتكس كثير من الشَّباب بعد أن كان مستقيمًا على الطَّاعة، وسبب الانتكاس-لا شك- أنه أمر مقدَّر منالله-عزَّ وجل- لكن الإنسان ما يُبتلى إلا بنفسه، فدين الله-عزَّ وجل-من سار فيه برفق ولين فإن النَّبيَّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- أمر بالقصد في العبادة، وأخبر كما في الحديث أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله، يقول الرَّسول-صلَّى الله عليه وسلَّم-(لن يدخل الجنة أحد بعمله ولكن قاربوا وسدد واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة)) وقد ألَّف الإمام المحقِّق ابن رجب رسالة عظيمة في شرح هذا الحديث وسماها (المحجة في سير الدلجة) بيَّن فيها المنهج في العبادة والتَّقرب إلى الله-عزَّ وجل- وذكر أن أصحاب النَّبيِّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- ما نالوا ما نالوا من الخير إلا بتحقيقهم لهذا المنهج العظيم، وقال: ليس من منهج أصحاب النَّبيِّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-أنهم كانوا يكثرون من الأعمال البدنية، وإنما نالوا ما نالوا من الخير بسلامة صدورهم للمسلمين وبإخلاصهم لله-عزَّ وجلَّ
العمل لليوم الآخر
للشيخ إبراهيم الرحيلي حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنَّ نبينا محمد عبده ورسوله اللهم صلِ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته على يوم الدين.
أمَّا بعد، فأرحِّب بالإخوة في هذا البلد الطيب المبارك وفي هذه الأيام الفاضلة الشَّريفة، واسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يتقبَّل منَّاومنكم وأن يكتب لنا ولكم أعظم الأجر والمثوبة في هذه الليالي الفاضلة المباركة. ثم إن كان من كلمة ونصيحة أشارك من سبقني من المشايخ فيها هو وصيتي لنفسي أولاً ولكم بتقوى الله-عزَّ وجلَّ- وأن نتقي الله-عز وجل- ونقدِّم من الأعمال ما هو سبب لحصول النَّجاة،فإن العبد مطالب بتحقيق النَّجاة لنفسه قبل النَّظر في غيره وقبل الاشتغال بأمور أخرى،والله-عزَّ وجلَّ- خلق الخلق كله من الإنس والجنِّ وسائر المخلوقات خلقها لحكمة يعلمها، ولم يخلقهم عبثا، وقد بيَّن لنا الحكمة من خلق الإنس والجنِّ فقال:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56] إذاً الحكمة من خلق الإنس والجن هي تحقيق عبادة الله-عزَّ وجل-فمن حقَّق هذا الهدف وحقَّق عبادة الله-عز وجل- بشروطها المعروفة الشَّرعية، فقد حقَّق الحكمة والهدف من خلقه، ومن خرج عن ذلك فإنه معرَّض للعقوبة والوعيد
ثم إن الله-عزَّوجل- تعبَّدنا بكثير من العبادات، وهي تنقسم بالنَّظر إلى فرضيتها من عدمها إلى: فرائض ونوافل، وبيَّن الله-عزَّ وجل-في الحديث القدسي الذي يرويه النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ربه، وقد خرَّجه البخاري(ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه))ثم قال(ولايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصرهالذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) ...ألخ، فبيَّن الله-عزَّ وجل-أنَّ العبد لا يتقرَّب إليه بمثل أداء ما افترض عليه من الواجبات، ونحن-أيها الإخوة- في المنهج(منهج أهل السنة والجماعة) نسير على منهج واضح وجلي، ويكثر الاختلاف والتَّفرق اليوم بين النَّاس في هذا المنهج، ويتخبطون فيه تخبطاً عظيماً، وأنتم تسمعون وترون كل يوم يخرج مخالفون عن هذا المنهج، وكلٌ يدعوا لما عنده أو ما يظن أنه من دين الله-عزَّ وجلَّ-والخطأ يحصل عند النَّاس بسببين: إما للهوى أو بالجهل، فالهوى ناتج عن مرض في النُّفوس وضعف في اليقين، والجهل ضعف في العلم والبصيرة، ولذا من حقَّق العلم الصَّحيح الشَّرعي وكان عنده من المراقبة وتقوى الله-عزَّ وجلَّ- فإنه لا يبتدع ولا يمكن أن يخرج عن المنهج المقصود أن تخبُّط النَّاس في هذا الأمر يرجع إلا أسباب منها الجهل بدين الله-عزَّوجلَّ-فإن الجهل سببه الابتداع والخروج، وكثيراً ما يُخذل النَّاس بالانحراف-والعياذبالله- عن دين الله بعد الاستقامة عليه بسبب أيضا الانحراف عن المنهج في العلم أوالعمل، ومن أسَّس بنيانه على أساس صحيح من دين الله-عزَّ وجلَّ- فإنه -بإذن الله- معصوم؛ فإنالله عز وجل قال في الحديث القدسي(ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به)) وهذه هي العصمة من الله -عزَّوجلَّ- العصمة ثمرة لعمل
أولاً: التَّقرب إلى الله عز وجل بالفرائض، ثم التَّدرج في النَّوافل والفرائض، منها ما يتعلَّق بالأعمال البدنية ومنها ما يتعلَّق بالأعمال القلبية ومنها مايتعلَّق بالعلم
حقيقاً من يتأمل حال الأمة اليوم، حال كثير من الشباب يجد انحراف كبيرجداً في المنهج، فإن كثير من الناس اليوم ينشغلون بالنَّوافل عن الواجبات، سواء في باب العمل أو باب العلم، ونحن نرى اليوم الشَّباب، ما يكاد يلتزم الشَّاب حتى يبدأ أول مايبدأ به بالقراءة في كتب المبتدعة وكيف يردُّ عليهم، ويقتني هذه الكتب ويشتغل بها، وهذا أمر مقرَّر عند أهل العلم أن الرَّدَّ على المبتدعة ومجاهدتهم-وهو أصل عظيم في باب الاعتقاد-مطلوب، لكنه من فروض الكفايات التي لا يقوم بها إلا العلماء، بل ليس كل العلماء، وإنما العلماء المتمكِّنين في هذا الباب، الذين يستطيعون الرَّدَّ، أما غيرهم من الأمة فليس من المنهج وليس من دين الله أن تشتغل بتناقل أخبار المبتدعة وكتبهم ومناظراتهم، وما الذي حصل منهم، كما يشتغل به كثير من الشَّباب اليوم، خصوصاً في هذه الليالي والأيام الفاضلة، لا يكاد يكون حديث الشَّباب إلا عن هذه الأمور، نحن لا نقلل من هذا الأمر لكن ينبغي أن نسير على منهج واضح، هذا باب عظيم ولا ينكره أحد-وينبغي أن ينزَّل الكلام على مقصود المتكلم وما يريد، لا نأخذ طرف من الكلام- الرد على المبتدعة أصل عظيم مقرَّر، لكنه من باب فروض الكافيات، وهذا لا ينكره أحد من طلاب العلم،وليس على الأمة أن تشتغل بالرد على المبتدعة كلها، بل لا يشتغل بهذا الأمر إلاالقادر عليه.
إذاً هذا مثال حقيقة للانصراف عن المنهج في باب العلم، فالمسلم مطالب بتحقيق النَّجاة أولاً لنفسه، هو مطالب بتحقيق النَّجاة لنفسه أولاً علماً وعملاً، فهومطالب بأن يتعلم العلم الذي تتحقَّق به الواجبات، فإذا عرفه: عرف أحكام الطَّهارة وعرفأحكام الصَّلاة وعرف أحكام الصَّوم وعرف أحكام الزَّكاة، وحقَّق هذه الأركان علماً ثم عملاً،فهو على خير، ثم بعد ذلك يتدرج في النَّوافل، ولا يكون انشغالنا بأي أمر: لا بجهاد ولابالرد على المبتدعة ولا بأمر، لا يكون انشغالنا بشيء عن هذا العمل الواجب الذي افترضه الله -عزَّ وجلَّ- علينا، فقد كان السَّلف يذمُّون من يشتغل بالنوافل، وينصرف-أو يصرف بها كل وقته-عن الفرائض، وهذا يدل عليه الحديث القدسي (ما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه))وقد كان بعض السَّلف يذمون من كان يقوم اللَّيل كله لله-عزَّ وجل-وينام عن صلاة الفجر؛ لأنَّه أتى بعمل فاضل ممدوح عليه وهو قيام اللَّيل وما فيه من الخير والفضل، لكنه مذموم إذا ترتَّب على قيامه بهذا العمل الذي هو من قبيل النَّوافل وفرَّط في واجب من الواجبات
فالمقصود -أيها الإخوة- أن يراقب الإنسان نفسه وأن يقف مع نفسه وقفة صدق،
فو الله لا ينجينا أن نكون نحن من أهل السُّنة ولاينجِّينا أن نقول نحن سلفيين، ولا ينجينا أن يقال فلان مجاهد، فلان يشتغل بالرَّد على أهل البدع، فلان فيه وفيه، والله لا ينجي الإنسان إلا الصِّدق مع الله-عزَّ وجل- نصدق مع الله-عزَّ وجل- نحقِّق عبادة الله-عزَّ وجل- فإذا حقَّقنا عبادة الله-عزَّ وجل- وأصلحنا أنفسنا وبقي عندنا من الوقت، وبقي عندنا من وفور الوقت ما نتعلم به ونشتغل للقادرين في الرَّد على المخالفين أو غيرهم من أعمال البرِّ الأخرى فنعم، أما أن نشتغل بهذه الأمور عن الواجبات فهذا ليس من دين الله-عزَّ وجل-، ولهذا نرى ما أكثر- والعياذ بالله-ما ينتكس كثير من الشَّباب بعد أن كان مستقيمًا على الطَّاعة، وسبب الانتكاس-لا شك- أنه أمر مقدَّر منالله-عزَّ وجل- لكن الإنسان ما يُبتلى إلا بنفسه، فدين الله-عزَّ وجل-من سار فيه برفق ولين فإن النَّبيَّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- أمر بالقصد في العبادة، وأخبر كما في الحديث أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله، يقول الرَّسول-صلَّى الله عليه وسلَّم-(لن يدخل الجنة أحد بعمله ولكن قاربوا وسدد واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة)) وقد ألَّف الإمام المحقِّق ابن رجب رسالة عظيمة في شرح هذا الحديث وسماها (المحجة في سير الدلجة) بيَّن فيها المنهج في العبادة والتَّقرب إلى الله-عزَّ وجل- وذكر أن أصحاب النَّبيِّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- ما نالوا ما نالوا من الخير إلا بتحقيقهم لهذا المنهج العظيم، وقال: ليس من منهج أصحاب النَّبيِّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-أنهم كانوا يكثرون من الأعمال البدنية، وإنما نالوا ما نالوا من الخير بسلامة صدورهم للمسلمين وبإخلاصهم لله-عزَّ وجلَّ