سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتدى بريكة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 829894
ادارة منتدى بريـكة سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 103798

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتدى بريكة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 829894
ادارة منتدى بريـكة سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين 103798

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بكم بمنتدى أحباب بريكة ، نعلم كافة زوارنا وأعضائنا بأن المسجلين الجدد والذين لم يصلهم رابط تأكيد التسجيل على ايميلاتهم بأننا سننشط عضوياتهم يوميا ، نرجو أن تقضوا أوقات مفيدة وممتعة بمنتدى مدينتكم بــريــكـــة

    سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين

    رضوان البريكي
    رضوان البريكي
    عضو مبدع
     عضو   مبدع


    ذكر
    نقاط اتميز : 181999
    عدد المشاركات : 406
    تاريخ التسجيل : 22/07/2009

    لعب الادوار
    هووكس:

    سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين Empty سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين

    مُساهمة من طرف رضوان البريكي السبت 12 ديسمبر 2009, 20:27


    المقال الأول
    برد السحائب على كبد أهل المصائب
    الشيخ د. عبد المجيد جمعة
    الحمد لله المتفرّد بالحياة والبقاء، الذي كتب على عباده الموت والفناء، ليبلوهم بالسرّاء والضرّاء، ما يفزعهم إلى توحيده، فيستكنون إليه ويتضرّعون بالابتهال والدعاء؛ لأنّه تعالى هو الذي يجيب الدعوات، ويكشف الكربات، ويقضي الحاجات.
    أمّا بعد، فإنّ الجزائر قد نكبتها نكبة عظيمة، وألَمّت بها فجيعة مؤلمة، أصابت عضوًا من أعضائها، ومدينة من مدنها، وهي مدينة «غرداية» العتيقة؛ فبعد القحط والجفاف، والسنين العجاف، تصاب بعواصف عاتية، وأمطار منهمرة، أيقظت واديها الكبير، فتسبّب في سيول جارفة، وفيضانات عارمة، أدّى ذلك إلى مقتل العشرات، وانهيار البنايات، وتشرّد العائلات، وتصدّع الطرقات وغير ذلك من الدمار والخراب الذي أتى على الممتلكات.
    لذا فإنّنا نواسي أهلنا بـ«غرداية» في مصيبتهم، ونشاركه في آلامهم ومحنتهم، بما نسدي له من نصائح ووصايا عسى أن تشرح صدورهم، وتخفّف كروبهم.
    فينبغي عليك ـ أخي المصاب ـ أن تتذكّر:
    أوّلاً: الرضى بقضاء الله وقدره وترك السخط.
    فيجب عليك أخي المسلم أن تعلم علم اليقين أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاء العباد، فلا يقبل من مسلم عمل حتى يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشرّه، وحلوه ومرّه، لأنّه أحد الأركان الخمس التي بني عليها الإسلام.
    فهذه المصائب هي من قدر الله تعالى فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط، قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾.
    وقال سبحانه: ﴿ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾. قال ابن عباس رضي الله عنه: «يهدي قلبه لليقين فيعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» [علّقه البخاري (8/250 الفتح)].
    وكان من دعائه صلى الله عليه وسلَّم في الصلاة: «وأسألك الرضا بعد القضاء» [طرف من حديث عمار بن ياسر، أخرجه النسائي صحيح النسائي (رقم: 1304)].
    واعلم أخي المصاب أنّ الرضى بقدر الله تعالى يوجب لك رضوانَ الله جلّ وعلا، وانشراح الصدر وسكون القلب وطمأنينة النفس.
    وأنّ السخط يوجب لك غضب الربّ وقلق القلب وضيق النفس ويورث الهمّ والغمّ وكسر لبال وسوء الحال وسوء الظنّ بشديد المحال ـ سبحانه ـ.
    ثانيًا: الصبر على المصيبة.
    فإنّ الصبر يخفّف من وحر المصيبة ويوجب الأجر، والجزع يزيد في المصيبة ويذهب الأجر.
    فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم أنّ حقيقة الصبر إنما يكون عند أوّل الصدمة، لأنّ في تلك الحالة يهيج الحزن ويذهل العقل بما دهمه وصدمه، فيكون المصاب فريسة سهلة للشيطان ليتمكّن منه ويوقعه فيما حرّم الله من السخط والجزع.
    فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
    «مرّ رسول الله بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها: اتقي واصبري. فقالت: إليك عني فإنّك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فأخذها مثل الموت فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فلم تجد عنده بوّابيه فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» متفق عليه.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    «قوله: الصبر عند عند الصدمة الأولى مثل قوله: ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فإنّ مفاجآت المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب تزعجه بصدمها، فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدّها وضعفت قوّتها، فهان عليه استدامة الصبر.
    وأيضًا فإنّ المصيبة ترد على القلب وهو غير موطِّنٍ لها فتزعجه، وهي الصدمة الأولى، وأمّا إذا تواردت بعد ذلك توطن لها، وعلم أنّه لا بد منها فيصيّره صبره شبيه الاضطرار، وهذه المرأة لما علمت أنّ جزعها لا يجدي عليها شيئًا جاءت تعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم كأنها تقول له: صبرت، فأخبرها أنّ الصبر: « إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» [عدّة الصابرين: (61 ـ 62)].
    ثالثًا: اجتناب ما ينافي الصبر.
    فيجب على المصاب أن يترك ما يفعله أكثر الناس من عادات الجاهلية المتفشية في المجتمعات عند نزول المصيبة من الندب والنياحة، وخمش الوجوه وشقّ الجيوب وحلق الشعور والدعاء بالويل والثبور ونحو ذلك مما يشتمل على السخط على الربّ تبارك وتعالى وفعل ما يناقض الصبر.
    فعن أبي مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ»، وقال: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدرْعٌ مِنْ جَربٍ» رواه مسلم.
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» رواه مسلم.
    وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: «وُجِعَ أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يردّ عليها شيئًا، فلمّا أفاق قال: أنا بريءٌ ممّن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم برئَ من الصالقةِ والحالقةِ والشاقَّةِ» متفق عليه.
    والصالقة: التي ترفع صوتها بالبكاء.
    والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
    والشاقَّة: التي تشقّ ثوبها.
    ولهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلَّم عند المصيبة البكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب. فقال عند وفاة ابنه إبراهيم عليه السلام: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» متفق عليه من حديث أنس.
    رابعًا: الاسترجاع.
    وهو أن يقول المصاب: «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا»، لقوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون﴾. ولما روته أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا» رواه مسلم.
    وهذا الدعاء من أعظم الأدوية لعلاج المصيبة وأنفعها للعبد في الدنيا والآخرة.
    فقوله «إنّا لله»: إقرار المصاب على أنّه عبد الله وملك له، والمَلِكُ يتصرّف في ملكه بما يريد.
    وقوله «وإنّا إليه راجعون»: إقرار العبد بأنّ مصيره ومرجعه إلى الله جلّ وعلا وكلّ الخلائق فيجازينا عن أخلاقنا. فهو إيمان بالبعث بعد الموت فتضمّن هذا الدعاء مبدأ الخلق ومعادهم.
    خامسًا: الرجوع إلى الله جلّ وعلا.
    فلنعلم أنّ هذه المصيبة التي تحلّ بنا، والنوائب التي تَنْزِل علينا، إنما ذلك بما كسبته أيدينا، فالواجب علينا أن نرجع إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والإنابة الصادقة، والتضرّع والدعاء، والإقبال عليه، والاطّراح بين يديه، لأنه تعالى هو فارج الهمّ، وكاشف الكرب.
    قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُون﴾.
    سادسًا: التحذير من نسبة الكارثة إلى الطبيعة.
    لقد شاع على ألسنة الناس من المثقّفين والسياسيّين والصحُفيين وغيرهم إذا نزلت مصيبة كالزلزال أو إعصار أو نحوهما قالوا: هذه كارثة طبيعية، اتّباعًا للكفرة الملاحدة الذين يعرفون ظواهر الحياة، أمّا بواطنها وسنن الله الكونية فهم عنها جاهلون، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾، فمتى كان للطبيعة إرادة وقدرة تتصرّف في الكون ؟! بل هي خلق من خلق الله، يتصرف فيها كيف يشاء، وكما شاء.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    «لم يعلم هؤلاء الجهّال الضلاّل أنّ الطبيعة قوّة وصفة فقيرة إلى محلّها محتاجة إلى حامل لها، وأنها من أدلّ الدلائل على وجود أمره في طبعها وخلقها، وأودعها الأجسام، وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته، ومملوك من مماليكه، وعبيدة مسخّرة لأمره تعالى منقادة لمشيئته. ودلائل الصنعة وأمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأنّها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرّف في ذاتها ونفسها، فضلاً عن إسناد الكائنات إليها» [طريق الهجرتين: (ص 159)].
    ثمّ إنّ هذه المقولة تجعل المسلم ينظر إلى الحياة نظرة مادية بحتة، وتفرغ قلبه من معرفة الله تعالى والخوف منه، والرجوع إليه عند الشدائد.
    ثمّ اعلم ـ أخي المصاب أنّ في الابتلاء حِكَمًا جليةً وفوائد سنية، إذا أدركها العبد وعرفها تسلى عن المصائب وبردت كبده عند فقد الحبائب.
    منها أنّ المصائب ابتلاء من الله تعالى ليميز المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب قال تعالى: ﴿ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.
    ومنا رجاء حصول الثواب العظيم وما أعدّه الله تعالى للصابرين وقد وعد الله تعالى الصابرين على المصائب بثلاثة أمور، وخصّهم بها دون غيرهم، كلّ واحد منها خير من الدنيا وما فيها، وهي صلواته تعالى عليهم ورحمته وهدايته لهم فقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾.
    قال عمر بن الخطاب: «نعم العدلان، ونعم العلاوة ثمّ تلا الآية» [علّقه البخاري (3/205 الفتح)].
    والعدلان: الصلاة والرحمة.
    والعلاوة: الاهتداء.
    قال عبد الله بن مطرّف بن.عبد الله بن الشخّير وقد مات له ولد: «والله لو أنّ الدنيا وما فيها لي فأخذها الله تعالى مني ثمّ وعدني عليها شربة ماء لرأيتها بتلك الشربة أهلاً فكيف بالصلاة والرحمة والهدى ؟!» [برد الأكباد لابن ناصر الدين 84].
    ومنها أنّ هذا الابتلاء قد يكون خيرًا للمصاب من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم، فيرضى بما اختار الله له قال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً﴾.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» [رواه البخاري عن أبي هريرة].
    وقال أيضًا: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤِمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم عن صهيب بن سنان].
    وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله إلى بعض هذا الخير فقال: «إنّ الإغراق والإهلاك من الرب تعالى لا يخرج قطّ عن المصلحة والعدل والحكمة، فإنه إذا أغرق أولياءه وأهل طاعته فهو سبب من الأسباب التي نصبها لموتهم وتخليصهم من الدنيا، والوصول إلى دار كرامته ومحلّ قربه. ولا بد من الموت على كلّ حال، فاختار لهم أكمل الموتتين وأنفعها لهم في معاده ليوصلهم إلى درجات عالية لا تنال إلاّ بتلك الأسباب التي نصبها الله موصلها، كإيصال سائر الأسباب إلى مسبّباتها.
    قال: لعلّ الإغراق وتسليط القتل أسهل الموتتين عليهم ـ مع ما في ضمنه من الثواب العظيم ـ فيكون قد بلغ حسن اختياره لهم إلى أن خفّف عليهم الموتة وأعاضهم عليها أفضل الثواب...» [مفتاح دار السعادة: (2/488 ـ 489) الحلبي].
    ولهذا علّمنا النبي صلى الله عليه وسلَّم أن نقول عند المصيبة (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها) قال: إلاّ أخلفه الله خيرًا منها كما تقدّم من حديث أم سلمة، ولهذا لما مات أبو°سلمة قالت أمُّ°سلمة: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل بيت هاجر إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلَّم ثمّ إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. [رواه مسلم].
    ومنها أنّ المصائب تكفّر الذنوب، لما رواه أبو°سعيد وأبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُّهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [متفق عليه].
    وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «مَا يَزَالُ البَلاَءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [رواه الترمذي بإسناد صحيح، صحيح الجامع (5691)].
    وهناك فوائد أخرى تركناها خشية الإطالة.
    وفي الختام، فإنّنا نتقدّم بتعازينا الخالصة إلى جميع عائلات الضحايا، مترحمين على موتاهم، ونقول: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى، فاصبر واحتسب».
    وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
    رضوان البريكي
    رضوان البريكي
    عضو مبدع
     عضو   مبدع


    ذكر
    نقاط اتميز : 181999
    عدد المشاركات : 406
    تاريخ التسجيل : 22/07/2009

    لعب الادوار
    هووكس:

    سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين Empty رد: سلسلة خطب ومقالات المشائخ والعلماء الجزائريين

    مُساهمة من طرف رضوان البريكي السبت 12 ديسمبر 2009, 20:30

    وبشر الصابرين
    الشيخ نجيب جلواح
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فلقد حض ربنا تعالى الخلق ـ في آيات قرآنية كثيرة ـ كما حث رسولنا صلى الله عليه وسلم العباد ـ في أحاديث نبوية صحيحة ـ على التحلي بالأخلاق الحسنة والتخلق بالخصال النبيلة، ورتب ـ تعالى ـ على ذلك ثوابا، وجزاء كبيرا، ألا وهو الفوز بالجنة ـ دار الأبرار ـ وقد أشاد الله تعالى بتلك الأخلاق ـ في كتابه العزيز ـ ورغّب نبيه صلى الله عليه وسلم في خلال حسنة كثيرة.
    وفي هذه المحاولة المتواضعة، نحاول أن نسلط الضوء على خلق من تلك الأخلاق السامية، ألا وهو خلق: «الصبر» ولنبدأ ـ أولا ـ بتعريفه:
    معنى الصبر:
    لغة: الصبر ـ في الأصل ـ الحبس المادي، والمنع.
    اصطلاحا: الصبر ـ في المعنى المعنوي ـ حبس النفس على طاعة الله تعالى ـ على ما يقتضيه الشرع ـ وكفها عن المعاصي، والرضى بقضاء الله وقدره، والصبر: حبس النفس عن التسخط، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب... إلخ.
    تحدث القرآن الكريم عن أخلاق كثيرة، وتفاوت ذكر ذلك ـ حسب أهميتها ـ ومن أجل تلك الخلال الرفيعة: خلق «الصبر» الذي هو أعظم أخلاق ديننا، بل إن أغلب خصال الخير مردها إليه؛ وبرهان ذلك: أن هذه الكلمة المباركة كررت ـ بمشتقاتها ـ في كتاب ربنا تعالى: أكثر من مائة مرة، مما يدل على أهميته، وعلو مكانته، لذا رتب الله على خلق «الصبر» كل خير ـ في الدنيا والآخرة ـ و«إن الله ـ سبحانه ـ جعل الصبر جوادا لا يكبو، وجندا غالبا لا يهزم، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يلثم، فهو والنصر أخوان شقيقان» [«عدة الصابرين» لابن القيم (ص6)].
    ولما كان الصبر عظيما، علق الله فلاح المسلمين به، ودخولهم إلى الجنة، فقال تعالى: ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: 12]، وقال سبحانه: ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 23 ـ 24]، وقال عزَّ من قائل: ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا﴾ [الفرقان: 75].
    وللصبر فضائل كثيرة ـ بالإضافة إلى ما ذكر ـ منها:
    ـ أنه خير ما رزق العبد؛ قال تعالى: ﴿وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النساء: 25] وقال أيضا: ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ [النحل: 126]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا رُزِقَ عَبْدٌ خَيْرًا لَهُ، وَلاَ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه الحاكم عن أبي هريرة [«صحيح الجامع» (5626) و«السلسلة الصحيحة» (448)].
    ـ استحقاق الصابر لمعية الله تعالى، قال سبحانه: ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾ [الأنفال: 46].
    ـ محبة الله تعالى للصابرين، قال سبحانه: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146].
    ـ ثناء الله تعالى على الصابرين، قال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون﴾ [البقرة: 177].
    ـ استحقاق الصابرين للأجر العظيم والثواب الكبير، قال تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [لزمر: 10].
    ـ للصابرين البشرى ـ في الدارين ـ قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
    ـ صلوات الله تعالى على الصابرين، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 156 ـ 157].
    ـ الإمامة في الدين: تنال بالصبر واليقين؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24].
    ألوان من الصبر:
    الصبر أنواع كثيرة ـ بحسب المتعلقات ـ لاشتماله على خلال الإسلام، وأخلاقه الفاضلة؛ لذا لا تكاد تجد مقاما من مقامات الدين ـ من أولها إلى آخرها ـ إلا ولها ارتباط متين، وصلة وطيدة بخلق «الصبر» ولنضرب لذلك أمثلة:
    الصبر على شهوة المعدة يسمى: قناعة، وضده: الشره، والصبر عن شهوة الفرج يسمى: عفة، وضده: الشبق، والصبر عن حفظ السر يسمى: كتمانا، وضده: نكث العهد، والصبر عن فضول المعيشة يسمى: زهدا، وضده: الحرص، والصبر عند القتال يسمى شجاعة، وضده: الجبن، والصبر عند الغضب يسمى حلما، وضده الحمق، والصبر عند المصيبة يسمى صبرا، وضده: الجزع أو الهلع، والصبر عند الحرمان يسمى: ضبط النفس، وضده: البطر، والصبر عند توقع الأمور يسمى: تؤددة، وضده: الطيش، والصبر عن شح النفس وإمساكها يسمى جودا، وضده: البخل.
    تنبيه: قد ذكر الله تعالى هذه الأنواع من الصبر، وسمى الكل صبرا، فقال سبحانه: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، فالبأساء: المصيبة، والضراء: الفقر، والبأس: الحرب.
    الصبر ضرورة ملحة وفريضة شرعية:
    الصبر يلازم ابن آدم في جميع أحواله، ويرافقه في كل تقلباته، فهو ضرورة لازمة، بل به بلوغ الآمال وإنجاح الأعمال؛ فلولا الصبر ما انتصر حق، ولا نهضت أمة؛ ولولا صبر الزراع على بذره ما حصد، ولولا صبر الغارس ما جنى، ولولا صبر طالب العلم ما نجح ولا فاز، ولولا صبر المجاهد في سبيل الله ما انتصر؛ فمن صبر ظفر، ومن ثبت نجح، ولله در من قال:

    لا تحسب المجد تمرا آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر

    ولما كان الصبر بهذه المثابة: أمر الله تعالى ـ في كثير من الآيات ـ منها: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200] ونهى عن ضده، فقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ [الأحقاف: 35].
    والصبر الممدوح: هو الذي يكون ابتغاء وجه الله تعالى وحده، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [لرعد: 22] والذي لا سخط فيه، ولا شكوى معه، ولا تبرم ولا جزع بعده، ولقد أحسن من قال:

    وإذا شـكـوت إلى ابن آدم إنمـاتشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

    والصبر المحمود صاحبه: هو ما كان في أوانه، ولم يأت بعد وقته، لأن الناس جميعا يصبرون، لكن شتان بين صبر الاختيار وصبر الاضطرار؛ روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي»، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنَّه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».
    أقسام الصبر:
    الصبر أقسام عديدة، وهذا باعتبارات مختلفة:
    الصبر باعتبار جهة التحمل: وهو ضربان:
    ضرب بدني: كتحمل المشاق، والثبات عليها؛ وهو: إما بالفعل: كتحمل ثقل العبادات (كالوضوء على المكاره، والقيام الطويل في الصلاة والحج...) أو باحتمال المرض الشديد، أو الجراحات المؤلمة، أو الضرب الموجع... إلخ.
    وضرب نفسي: وهو ضبط النفس، حتى تصبر على مشتهيات الطبع، والهوى، وهو المحمود التام.
    الصبر باعتبار اختلاف الحال: وهو ثلاثة أنواع:
    صبر على الطاعة: كالصبر على أداء الصلوات في أوقاتها.
    والصبر عن المعصية: كاجتناب ما حرم الله من الموبقات والآثام.
    والصبر على قضاء الله وقدره: والذي لا كسب للعباد فيه، كالصبر على فقد الولد، وذهاب المال.
    فائدة: تحصيل النوعين الأوليين من الصبر: سبب: سبب دخول الجنة، وسبب النجاة من النار، ودليل ذلك: ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي هريرة مرفوعا: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ».
    فيحتاج العبد المؤمن إلى نوعين من الصبر: صبر على المكاره: ليدخل الجنة، وصبر عن الشهوات: لينجو من النار.
    مجالات الصبر: الصبر يكون على ما تحبه النفوس، أو عما تكرهه، وهتك بعض مجالاته:
    ـ الصبر على بلاء الدنيا: الدنيا فيها آلام نفسية، أسقام بدنية، وفقدان الأصحاب، وخسران الثروات، وإيذاء الناس، ومتاعب العيش ومشاق الحياة؛ وهذه الأمور: يتساوى فيها الناس جميعا، فلا يسلم منها بر ولا فاجر، ولا يُعصم منها مؤمن ولا كافر، قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ [البقرة: 155 ـ 156]، وهذا النوع: هو الشائع عند ذكر لفظ «الصبر».
    ـ الصبر عما تشتهيه النفوس: وهو أضرُب، منها: الابتلاء بالسراء لا بالضراء، وبالغنى لا بالفقر، وبالنعمة لا بالنقمة، قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35]، وقال تعالى ـ حاكيا قول سليمان صلى الله عليه وسلم ـ: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: 40]، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن ِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر: 15 ـ 16].
    فالمؤمن مُطالب بالصبر على النعم الكثيرة التي أسبغها الله عليه، وذلك بعدم الركون إليها، والانهماك فيها، وبرعاية حقوقها، وتسليمها مستحقيها، والصبر في السراء: أشد وأشق من الصبر في الضراء، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «ابتلينا ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بالضراء فصبرنا، ثم ابتلينا بالسراء ـ بعده ـ فلم نصبر» رواه الترمذي بإسناد حسن. [«صحيح سنن الترمذي» (2004)].
    ـ الصبر على طاعة الله: قال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ [مريم: 65]، وقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، ثم إن من هذه العبادات والطاعات ما يكره بسبب الكسل؛ كالصلاة ـ، ومنها ما يكره بسبب البخل؛ كالزكاة، ومنها ما يكره بسببها معا؛ كحج بيت الله.
    فائدة: إذا أراد المؤمن أن تُقبل منه أعماله الصالحة، وتنفعه قرباته، فعليه أن يصبر على طاعاته، وذلك في مراحل ثلاث:
    قبل الطاعة: بالإخلاص في العمل، والابتعاد عن الرياء وحب الظهور، قال تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ [هود: 11].
    أثناء الطاعة: بالمحافظة على شرط القبول، وعدم الغفلة عن الله، والابتعاد عن الكسل والفتور، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت: 59].
    بعد الطاعة: بكتمان القربة، وعدم إفشائها للناس، خشية الرياء المحبط للعمل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾ [البقرة: 264].
    ـ الصبر في الدعوة إلى الله تعالى: على الدعاة أن يكونوا دائما نشطين في الدعوة إلى دين الله ـ وإن أوذوا وابتلوا ـ لأن أذية الداعين إلى الخير من طبيعة البشر، إلا من هدى الله، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الأنعام: 34]، وكلما قويت الأذية: قرب النصر، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «النَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ، وَالفَرَجُ مَعَ الكَربِ، وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا» أخرجه الخطيب ـ في التاريخ ـ والديلمي عن أنس [«الصحيحة» (2382)]، وليس النصر مختصا بأن ينصر الإنسان في حياته، ويرى أثر دعوته قد تحقق، بل النصر قد يكون ولو بعد موته، بأن يجعل الله في قلوب الخلق قبولا لما دعا إليه، وأخذا به وتمسكا، فإن هذا يعتبر نصرا لهذا الداعية، وإن كام ميتا.
    فعلى الداعية أن يكون صابرا على دعوته، مستمرا فيها، صابرا على ما يعترض دعوته، وهاهم الرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أوذوا بالقول وبالفعل فصبروا، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: 52]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: 31].
    عن عبد الله بن مسعود قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه ـ وهو يمسح الدم عن وجهه ـ ويقول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» رواه البخاري ومسلم.
    نكتة: تأمل ـ أخي الكريم ـ جيدا في قول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً﴾ [الإنسان: 23] فكان من المنتظر ومن المتوقع أن يقال: (فاشكر نعمة ربك) المتمثلة في إنزال القرآن الكريم عليه صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه ـ عز وجل ـ قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: 24] وفي هذا إشارة إلى أن كل من قام بهذا القرآن، ودعا إليه فلا بد أن يناله أذى، مما يحتاج إلى الصبر.
    وتأمل ـ أيضا ـ في قول لقمان الحكيم ـ وهو يعظ ابنه ـ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [لقمان: 17] ولما كان الداعي إلى الله تعالى آمرا بالمعروف، وناهيا عن المنكر، فهو معرض للأذية ولا بد؛ لذا أردف الحكيم نصيحته بقوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: 17].
    هذا، ومجالات الصبر كثيرة ومتنوعة، ولعل فيما ذكرنا كفاية، والله تعالى أعلى وأعلم، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024, 14:08