المقال الأول
برد السحائب على كبد أهل المصائب
الشيخ د. عبد المجيد جمعة
الحمد لله المتفرّد بالحياة والبقاء، الذي كتب على عباده الموت والفناء، ليبلوهم بالسرّاء والضرّاء، ما يفزعهم إلى توحيده، فيستكنون إليه ويتضرّعون بالابتهال والدعاء؛ لأنّه تعالى هو الذي يجيب الدعوات، ويكشف الكربات، ويقضي الحاجات.
أمّا بعد، فإنّ الجزائر قد نكبتها نكبة عظيمة، وألَمّت بها فجيعة مؤلمة، أصابت عضوًا من أعضائها، ومدينة من مدنها، وهي مدينة «غرداية» العتيقة؛ فبعد القحط والجفاف، والسنين العجاف، تصاب بعواصف عاتية، وأمطار منهمرة، أيقظت واديها الكبير، فتسبّب في سيول جارفة، وفيضانات عارمة، أدّى ذلك إلى مقتل العشرات، وانهيار البنايات، وتشرّد العائلات، وتصدّع الطرقات وغير ذلك من الدمار والخراب الذي أتى على الممتلكات.
لذا فإنّنا نواسي أهلنا بـ«غرداية» في مصيبتهم، ونشاركه في آلامهم ومحنتهم، بما نسدي له من نصائح ووصايا عسى أن تشرح صدورهم، وتخفّف كروبهم.
فينبغي عليك ـ أخي المصاب ـ أن تتذكّر:
أوّلاً: الرضى بقضاء الله وقدره وترك السخط.
فيجب عليك أخي المسلم أن تعلم علم اليقين أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاء العباد، فلا يقبل من مسلم عمل حتى يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشرّه، وحلوه ومرّه، لأنّه أحد الأركان الخمس التي بني عليها الإسلام.
فهذه المصائب هي من قدر الله تعالى فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط، قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾.
وقال سبحانه: ﴿ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾. قال ابن عباس رضي الله عنه: «يهدي قلبه لليقين فيعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» [علّقه البخاري (8/250 الفتح)].
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلَّم في الصلاة: «وأسألك الرضا بعد القضاء» [طرف من حديث عمار بن ياسر، أخرجه النسائي صحيح النسائي (رقم: 1304)].
واعلم أخي المصاب أنّ الرضى بقدر الله تعالى يوجب لك رضوانَ الله جلّ وعلا، وانشراح الصدر وسكون القلب وطمأنينة النفس.
وأنّ السخط يوجب لك غضب الربّ وقلق القلب وضيق النفس ويورث الهمّ والغمّ وكسر لبال وسوء الحال وسوء الظنّ بشديد المحال ـ سبحانه ـ.
ثانيًا: الصبر على المصيبة.
فإنّ الصبر يخفّف من وحر المصيبة ويوجب الأجر، والجزع يزيد في المصيبة ويذهب الأجر.
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم أنّ حقيقة الصبر إنما يكون عند أوّل الصدمة، لأنّ في تلك الحالة يهيج الحزن ويذهل العقل بما دهمه وصدمه، فيكون المصاب فريسة سهلة للشيطان ليتمكّن منه ويوقعه فيما حرّم الله من السخط والجزع.
فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
«مرّ رسول الله بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها: اتقي واصبري. فقالت: إليك عني فإنّك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فأخذها مثل الموت فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فلم تجد عنده بوّابيه فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» متفق عليه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«قوله: الصبر عند عند الصدمة الأولى مثل قوله: ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فإنّ مفاجآت المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب تزعجه بصدمها، فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدّها وضعفت قوّتها، فهان عليه استدامة الصبر.
وأيضًا فإنّ المصيبة ترد على القلب وهو غير موطِّنٍ لها فتزعجه، وهي الصدمة الأولى، وأمّا إذا تواردت بعد ذلك توطن لها، وعلم أنّه لا بد منها فيصيّره صبره شبيه الاضطرار، وهذه المرأة لما علمت أنّ جزعها لا يجدي عليها شيئًا جاءت تعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم كأنها تقول له: صبرت، فأخبرها أنّ الصبر: « إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» [عدّة الصابرين: (61 ـ 62)].
ثالثًا: اجتناب ما ينافي الصبر.
فيجب على المصاب أن يترك ما يفعله أكثر الناس من عادات الجاهلية المتفشية في المجتمعات عند نزول المصيبة من الندب والنياحة، وخمش الوجوه وشقّ الجيوب وحلق الشعور والدعاء بالويل والثبور ونحو ذلك مما يشتمل على السخط على الربّ تبارك وتعالى وفعل ما يناقض الصبر.
فعن أبي مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ»، وقال: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدرْعٌ مِنْ جَربٍ» رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» رواه مسلم.
وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: «وُجِعَ أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يردّ عليها شيئًا، فلمّا أفاق قال: أنا بريءٌ ممّن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم برئَ من الصالقةِ والحالقةِ والشاقَّةِ» متفق عليه.
والصالقة: التي ترفع صوتها بالبكاء.
والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
والشاقَّة: التي تشقّ ثوبها.
ولهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلَّم عند المصيبة البكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب. فقال عند وفاة ابنه إبراهيم عليه السلام: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» متفق عليه من حديث أنس.
رابعًا: الاسترجاع.
وهو أن يقول المصاب: «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا»، لقوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون﴾. ولما روته أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا» رواه مسلم.
وهذا الدعاء من أعظم الأدوية لعلاج المصيبة وأنفعها للعبد في الدنيا والآخرة.
فقوله «إنّا لله»: إقرار المصاب على أنّه عبد الله وملك له، والمَلِكُ يتصرّف في ملكه بما يريد.
وقوله «وإنّا إليه راجعون»: إقرار العبد بأنّ مصيره ومرجعه إلى الله جلّ وعلا وكلّ الخلائق فيجازينا عن أخلاقنا. فهو إيمان بالبعث بعد الموت فتضمّن هذا الدعاء مبدأ الخلق ومعادهم.
خامسًا: الرجوع إلى الله جلّ وعلا.
فلنعلم أنّ هذه المصيبة التي تحلّ بنا، والنوائب التي تَنْزِل علينا، إنما ذلك بما كسبته أيدينا، فالواجب علينا أن نرجع إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والإنابة الصادقة، والتضرّع والدعاء، والإقبال عليه، والاطّراح بين يديه، لأنه تعالى هو فارج الهمّ، وكاشف الكرب.
قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُون﴾.
سادسًا: التحذير من نسبة الكارثة إلى الطبيعة.
لقد شاع على ألسنة الناس من المثقّفين والسياسيّين والصحُفيين وغيرهم إذا نزلت مصيبة كالزلزال أو إعصار أو نحوهما قالوا: هذه كارثة طبيعية، اتّباعًا للكفرة الملاحدة الذين يعرفون ظواهر الحياة، أمّا بواطنها وسنن الله الكونية فهم عنها جاهلون، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾، فمتى كان للطبيعة إرادة وقدرة تتصرّف في الكون ؟! بل هي خلق من خلق الله، يتصرف فيها كيف يشاء، وكما شاء.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«لم يعلم هؤلاء الجهّال الضلاّل أنّ الطبيعة قوّة وصفة فقيرة إلى محلّها محتاجة إلى حامل لها، وأنها من أدلّ الدلائل على وجود أمره في طبعها وخلقها، وأودعها الأجسام، وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته، ومملوك من مماليكه، وعبيدة مسخّرة لأمره تعالى منقادة لمشيئته. ودلائل الصنعة وأمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأنّها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرّف في ذاتها ونفسها، فضلاً عن إسناد الكائنات إليها» [طريق الهجرتين: (ص 159)].
ثمّ إنّ هذه المقولة تجعل المسلم ينظر إلى الحياة نظرة مادية بحتة، وتفرغ قلبه من معرفة الله تعالى والخوف منه، والرجوع إليه عند الشدائد.
ثمّ اعلم ـ أخي المصاب أنّ في الابتلاء حِكَمًا جليةً وفوائد سنية، إذا أدركها العبد وعرفها تسلى عن المصائب وبردت كبده عند فقد الحبائب.
منها أنّ المصائب ابتلاء من الله تعالى ليميز المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب قال تعالى: ﴿ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.
ومنا رجاء حصول الثواب العظيم وما أعدّه الله تعالى للصابرين وقد وعد الله تعالى الصابرين على المصائب بثلاثة أمور، وخصّهم بها دون غيرهم، كلّ واحد منها خير من الدنيا وما فيها، وهي صلواته تعالى عليهم ورحمته وهدايته لهم فقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾.
قال عمر بن الخطاب: «نعم العدلان، ونعم العلاوة ثمّ تلا الآية» [علّقه البخاري (3/205 الفتح)].
والعدلان: الصلاة والرحمة.
والعلاوة: الاهتداء.
قال عبد الله بن مطرّف بن.عبد الله بن الشخّير وقد مات له ولد: «والله لو أنّ الدنيا وما فيها لي فأخذها الله تعالى مني ثمّ وعدني عليها شربة ماء لرأيتها بتلك الشربة أهلاً فكيف بالصلاة والرحمة والهدى ؟!» [برد الأكباد لابن ناصر الدين 84].
ومنها أنّ هذا الابتلاء قد يكون خيرًا للمصاب من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم، فيرضى بما اختار الله له قال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً﴾.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» [رواه البخاري عن أبي هريرة].
وقال أيضًا: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤِمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم عن صهيب بن سنان].
وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله إلى بعض هذا الخير فقال: «إنّ الإغراق والإهلاك من الرب تعالى لا يخرج قطّ عن المصلحة والعدل والحكمة، فإنه إذا أغرق أولياءه وأهل طاعته فهو سبب من الأسباب التي نصبها لموتهم وتخليصهم من الدنيا، والوصول إلى دار كرامته ومحلّ قربه. ولا بد من الموت على كلّ حال، فاختار لهم أكمل الموتتين وأنفعها لهم في معاده ليوصلهم إلى درجات عالية لا تنال إلاّ بتلك الأسباب التي نصبها الله موصلها، كإيصال سائر الأسباب إلى مسبّباتها.
قال: لعلّ الإغراق وتسليط القتل أسهل الموتتين عليهم ـ مع ما في ضمنه من الثواب العظيم ـ فيكون قد بلغ حسن اختياره لهم إلى أن خفّف عليهم الموتة وأعاضهم عليها أفضل الثواب...» [مفتاح دار السعادة: (2/488 ـ 489) الحلبي].
ولهذا علّمنا النبي صلى الله عليه وسلَّم أن نقول عند المصيبة (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها) قال: إلاّ أخلفه الله خيرًا منها كما تقدّم من حديث أم سلمة، ولهذا لما مات أبو°سلمة قالت أمُّ°سلمة: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل بيت هاجر إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلَّم ثمّ إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. [رواه مسلم].
ومنها أنّ المصائب تكفّر الذنوب، لما رواه أبو°سعيد وأبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُّهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [متفق عليه].
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «مَا يَزَالُ البَلاَءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [رواه الترمذي بإسناد صحيح، صحيح الجامع (5691)].
وهناك فوائد أخرى تركناها خشية الإطالة.
وفي الختام، فإنّنا نتقدّم بتعازينا الخالصة إلى جميع عائلات الضحايا، مترحمين على موتاهم، ونقول: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى، فاصبر واحتسب».
وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.