[center][center]أَيْــنَ الله؟
أما بعد: فإن نعم الله علينا كثيرةٌ عظيمة لا نحصي لها عدا، وإن من أعظم وأجل وأسمى هذه النعم هي نعمة الهداية إلى الإسلام{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والإسلام هو إخلاص العبادة لله وحده؛ فهو وحده المستحق للعبادة، وهذه هي دعوة كل الأنبياء والمرسلين؛ قال الله تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} فالعبادة -كما لا يخفى- لله وحده.
ومن العبادة أن تدعو الله بأسمائه وصفاته؛ قال الله تعالى:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فالله أسماءٌ وله صفات.
فكل اسم من أسماء الله عز وجل دالٌ على صفة لله سبحانه وتعالى:
فمن أسماء الله: "الرحمن الرحيم"، وهما اسمان دالان على صفة الرحمة، فنصف الله بالرحمة، ومن أسماء الله: "الكريم" وهو دال على صفة الكرم فنصف الله بالكرم، ومن أسمائه تعالى: "الحليم"، الدال على صفة الحلم، فنصف الله بالحلم، ومن أسمائه:" العزيز، العظيم، الرءوف" فنصف الله بالعزة، والعظمة، ونصفه بالرأفة، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات.
كما أن من أسماء الله: " العلي الأعلى" وهما اسمان لله يدلان على صفةٍ ثابتةٍ لله ؛ ألا وهي صفة العلو، فالله العلي الأعلى؛ فوق كل شيء.
وإننا لنأسف أشد الأسف من بعض الناس ممن إذا سألته عن هذا الإله العظيم الموصوف بكل وصف حميد، إذا سألته أين هذا الإله الذي تعبده وتتقرب إليه بالطاعات والعبادات لحار في الإجابة!
وربما أجابك بإجابات ما أنزل الله بها من سلطان؛ كأن يجيبك بقوله: الله في كل مكان!! أو يقول: الله موجود في كل وجود!! مع أنك تراه يصلي ويقول في كل سجود: "سبحان ربي الأعلى" فهو يصف ربه بالعلو ثم يقول: الله في كل مكان! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
فهذا الموضوع من أهم الموضوعات التي يجب على كل مسلم أن يعلمها فكيف تعبد الله ولا تعلم أين هو !!!
فالله سبحانه وتعالى في السماء؛ في العلو؛ فوق كل شيء.
والأدلة على ذلك متضافرة من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.
أولاً : الأدلة من القـرآن على علو الله عز وجل:
١) تصريح الله سبحانه وتعالى بوصف العلو لنفسه جل وعلا في قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى}.
{الأعلى}اسم تفضيل من العلو، وهنا لم يقل: الأعلى على كذا، ما قيَّد، إذاً له العلو المطلق عز وجل، فوق كل شيء ولا يعلو عليه شيء؛ هو الأعلى فوق كل شيء.
٢) ومنها تصريح الله عز وجل بالعلو مثل قوله:{وهو العلي العظيم}.
٣) وجاء القرآن مصرحاً بالفوقية؛ مثل قوله تعالى:{وهو القاهر فوق عباده} ، {يخافون ربهم من فوقهم}.
٤) وجاء أيضاً في القرآن التصريح بنـزول الأشياء من عنده، وهذا يستلزم العلو؛ في قوله تعالى:{إنا أنزلناه في ليلة القدر}،{كتابأنزلناه إليك مبارك} ، {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض}.
٥) وجاء أيضاً بالتصريح بصعود الأشياء إليه وعُروجِها إليه، والصعود والعروج لا يكون إلا من أسفل إلى أعلى،{تـعرج الملائكة والروح إليه}،{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
٦)وجاء أيضاً بوصف الارتفاع؛ مثل قوله تعالى:{إني متوفيك ورافعك إلي} وفي قوله تعالى:{رفيع الدرجات}.
وهنا نقف لنبيِّن أن بعض المفسرين يقول:{رفيع الدرجات} أي رافع الدرجات! وهذا تحريف؛ لأن الله قال: {رفيع الدرجات ذو العرش}
إذاً: معنى {رفيع الدرجات} أن الله - نفسه- رفيع الدرجات.
{ذو العرش}: الذي هو سقف المخلوقات كلها.
والآيات في هذا كثيرة، كلها تدل على علو الله عز وجل، أكثر من أن تحصر.
ثانياً: الدلالة من السنة على علو الله عز وجل:
أما في السنة فإنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم قد قرر علو الله بقوله وبفعله وبإقراره؛ أي تقريره.
١) مثال القول: قوله صلى الله عليه وسلم: (( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء !!)) رواه البخاري.
ومثل قوله في سجوده: ((سبحان ربي الأعلى)).
٢) وأما الفعل: فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا يرفع يديه إلى السماء: "يا رب" .
وفي خطبة عرفة - في حجة الوداع- لما قرر من أصول الدين وقواعد الدين، قال للصحابة: (( ألا هل بلَّغـت؟)) قالوا: نعم (( ألا هل بلَّغت؟)) قالوا: نعم، (( ألا هل بلَّغـت؟)) قالوا: نعم - ثلاث مرات- فقال: (( اللهم اشهد)) يرفع يديه إلى السماء، وينكتها للناس. رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
((اللهم اشهد)): يعني على هؤلاء.
وانـظر كيف فـرَّق؛ لما أراد الرب عز وجل أين صرف إصبعه؟
إلى السماء، ولما أراد الناس ردها إلى الأرض.
إذاً: هذا إثبات لعلو الله عز وجل بالسنة الفعلية.
٣) أما السنة الإقرارية: فقد جاء في حديث الجارية- جارية الصحابي معاوية بن الحَكَم- حين أراد أن يُعتقها، فدعا بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال لها( أيـــن الله؟؟)) قالت: في السـماء. رواه مسلم.
جارية لم تتعلم مملوكة رقيقة؛ قال لها( أين الله؟ )) قالت في السماء، قال( أعتقْها فإنها مؤمنة)) سبحان اللهّ!
جارية لم تتعلم مملـوكة، تعرف أين ربها، وأولئك القوم لا يعرفون أين الله! إلا أنه في كل مكان!! والعياذ بالله.
فالسنة أثبتت علو الله على جميع وجوه السنة - وهي السنة القولية والفعلية والإقرارية - أتريدون بياناً أوفى من ذلك؟!
ثالثاً: إثبات علو الله عز وجل بإجماع الصحابة:
إجماع الصحابة رضي الله عنهم قبل أن يأتي هؤلاء الموْتورون الضالون، أجمعوا على أن الله سبحانه وتعالى في السماء، ليس عن واحد منهم حرف واحد يقول إن الله في كل مكان، أبـداً.
ولا عنهم حرف واحد يقول إن الله ليس في السماء، أبـداً.
وأنا بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية أتحدى أي واحد يأتيني بحرف واحد عن الصحابة أنهم أنكروا علو الله تعالى في السماء.
شيخ الإسلام ابن تيمية واسع الإطلاع، وحرص حرصاً عظيماً على هذه المسألة، وطالع من الكتب الكثيرة الأثرية، ولم يجد عن أحد من الصحابة أنهم أنكروا أن يكون الله في السماء، وهم يتلون كتاب الله صباحاً ومساءاً، ولم يَرد عن واحد منهم أنه فسر آية من آيات العلو بغير معناها الذي أراد الله عز وجل..
فإذا لم يَرد عنهم ما يخالف هذا القرآن فهو إجماع منهم على ما دل عليه القرآن.
الأدلة: من فتاوى الحرم المكي للإمام:العثيمين/ سنة / (١٤١٤)ه.
شريط رقم/ (١۰) بتصرف يسير.
فإذا كانت الأدلة -كما ترى - من القرآن والسنة وإجماع الصحابة على علو الله فوق كل شيء، أكثر من أن تحصى فهل بعد هذا من حجة لمن يقول إن الله في كل مكان!!
فالله - يا إخواني المسلمين- في السماء، كما قالت تلك الجارية التي سألها الرسول عليه الصلاة والسلام أين الله؟ قالت في السماء.
فهذه عقيدة يجب على كل مسلم أن يعلمها:
أن يعلم أن خالقه ومولاه في السماء، في العلو، فالعلو صفة كمال؛ ولا يليق به سبحانه وتعالى إلا كل كمال.
قال تعالى:{ولله المثل الأعلى} هو الأعلى في ذاته، والأعلى في أسمائه، والأعلى في صفاته.
فاصدع بهذه العقيدة ولا تتردد، وصِفِ الله بما وصَفَ به نفسه في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
سـؤال مـهم !!
س/ إذا عرفنا وتيقنا بالأدلة القطعية أن الله في السماء، فما تفسير قوله تعالى:{وهو معكم أينما كنتم}وقوله:{إنني معكما أسمع وأرى} وغيرهما من الآيات؟
ج / قال الإمام ابن كثير في تفسيره:" {وهو معكم} أي رقيب عليكم شهـيد على أعمالكم، حيث كنتم وأينما كنتم من بر أو بحر، في ليل أو نهـار، في البيوت أو في القِفار، الجميع في علمه على السواء، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم.
وقال في تفسير قوله تعالى:{إنني معكما أسمع وأرى} أي إنني معكما بحفظي وكلاءَتي ونصري وتأييدي.
وقال البغَوي في تفسيره: {إنني معكما أسمع وأرى} قال ابن عباس: " أسمع دعائكما فأجيبه، وأرى ما يُراد بكما فأمنعه، لست بغافل عنكما، فلا تهتما ".
وقال الإمام عبد الله بن المبارك - رحمه الله- وهو من نوادر أئمة السلف المحدثين الفقهاء الذين جمعوا بين العلم والزهد والجهاد، وهو من كبار شيوخ الإمام أحمد.
قال: " الله فوق عرشه بذاته، وهو معنا بعلمه".
فعلماء السنة قاطبةً قالوا في تفسير قوله تعالى:{وهو معكم أينما كنتم} أي معكم بعلمه.
*وجزى الله خيراً عظيماً من أعان على نشر العقيدة الصحيحة.
[/center]
[/center]